Sunday, April 15, 2012

عودة السريانية

نبراس دلول

على بعد كيلومترات عديدة من الشمال الغربي للعاصمة السورية دمشق يمكث كنزٌ انسانيٌ لامثيل له على سطح المعمورة.كنزٌ لايقدر بثمن ولو جمعت اموال العالم كله وذهبه مقابله ,فهو أرقى من أن يدخل بورصة البيع والشراء وأشرف من أن يبقى على ماهو عليه خصوصاً اذ ما رأينا العديد من سكان المعمورة يتوافدون على تلك المنطقة للغرف من هذا الكنز الثمين.في البداية أسأل نفسي : من أين أتت كلمة سوريا؟
ان كلمة سوريا تطلق على البلاد التي يسكنها قوم السريان وهي ممتدة تاريخياًمن خط الموصل وحلب واسكندرون شمالاً الى النقب وبادية الشام جنوباً ,اذاً ان من يسكن هذه المنطقة هو سرياني أو سوري ولذلك فاءن لهذه المنطقة من العالم تاريخ ضارب في الجذور علينا المحافظة عليه لآن المحافظة عليه هو واجب انساني وليس واجب وطني !
ان البشرية والتاريخ يستأمنان السوريين جميعاً على هذا التاريخ وهذا التراث الغني الذي هو هوية جامعة للسوريين كل السوريين , والاصل في الحفاظ عليه هو الحفاظ على اللغة السريانية لغة سوريا القومية !

ان الحفاظ على اللغة السريانية (( واعود للقول بأنها مهمة انسانية على قدر كبير من الاهمية والعظمة )) يبدأ بادخال هذه اللغة ضمن المناهج التعليمية السورية وادخالها ضمن قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو .
ان ادخال اللغة السريانية ضمن المناهج التعليمية يقودنا بعد عشر سنوات الى جيل من السوريين القادرين على التخاطب بهذه اللغة التي يعود تاريخها الى قرون خلت قبل ميلاد المسيح الذي تتشرف اللغة السريانية به كونه كان يتكلم ويعيش بها, وكيف لا وهو يسوع المسيح السوري .

عودٌ على بدء,فاءن في شمال العاصمة دمشق ثلاث قرى مازال سكانها من أتباع المسيحية والاسلام يتكلمون اللغة السريانية و أهم تلك القرى هي قرية معلولا التي تعتبر الى اليوم محجة للمسيحيين في العالم لغناها بالاوابد السورية ولدفئها الذي تستمده من العادات السريانية القديمة ,تلك العادات المغطاة بوشاح يسوع السوري ذاته .
إن الكثيرين من الناس لا يعلمون أن العديد جداً من المفردات العامية التي نستخدمها الى اليوم هي كلمات سريانية ,وأن بناء الجملة العامية بحد ذاته هو سرياني الآصل.
من الكلمات السريانية تلك – شبقو

ان الغناء السوري الناطق بالعربية الذي وصلنا عبر الآجداد كالزجل وأبو الزلف والهوارة والدلعونا واللا لا ماهي الا تركيبة سريانية حافظ عليها السوريون بعد ان استبدلو اللغة بلغة أخرى ,فبقي القالب الموسيقي ذاته :قالب موسيقي سرياني بامتياز !.إن الدعوة للحفاظ على اللغة السريانية هي دعوة للحفاظ على التراث السوري كله من موسيقى وغناء وأدب ورقص وعادات وتقاليد التي منها أيضاً فن الطبخ الذي لا يشاركنا فيه سوى بعض دول حوض المتوسط التي كان لها صلة مع سوريا السريانية فيما مضى كتركيا واليونان .
ليس المقصود من الدعوة الى الحقاظ على التراث السرياني التاسيس لنزعة شوفينية قومية نحن بعيدين أشد البعد عنها وذلك لسببين :الاول ,إن التعصب القومي ليس سمة العصر مذ كانت الثورة الصناعية ,فالحدود القومية أصبحت واهية أمام انتشار البضائع والخبرات والثقافات ,ولاطائل نجنيه من الدعوة للتعصب القومي لآن الوقائع ستهزمنا أمام أول اختبار ولمن لايصدق فليتعصب قومياً من ثم فليفتح جهاز التلفاز أو فليذهب الى أقرب سوبر ماركت؟السبب الثاني ,وهو سبب ذاتي متصل الى حدٍ ما بالآول ,حيث أنني تربيت في بيئة تنظر دائماً للنماذج الاوربية على أنها مثال يحتذى رغم الفخر بالبيئة المحلية ,وعندما كبرت كان انجذابي للثقافة الانكلو ساكسونية عظيماً ,وبعدها كانت علاقتي بالفكر الاشتراكي رائعة والذي من خلاله توصلت الى تلك القناعات القائلة بعدم تفوق حضارة على حضارة أو ثقافة على اخرى .وبما أنني كنت دائماً أقول بأنني سوري مشبع بالثقافة الإنكليزية رأيت لزاماً علي ان أدعو لذلك ,حيث انني أشعر بأني معني بكل ثُقافات العالم وبكل حضاراته , والدعوة للحفاظ على الثقافة السريانية من لغة وموسيقا وغير ذلك تاتي من ثقافتي الاشتراكية أولاً ومن كوني ممن يحملون الهوية السورية تالياً.لذلك فقد تلي هذه الدعوة دعوات أخرى للحفاظ على تراث آخر في منطقة أخرى من هذا العالم, اذ يقول رائد الفضاء السوري محمد فارس أنه عندما عاد من رحلته في الفضاء الخارجي كان هناك شعور واحد يتملكه وهو أن كل كوكب الآرض وطنه!.

اذاً فإن الحكومة السورية مطالبة اليوم قبل أي يوم أخر بالعمل على احياء اللغة السريانية باعتبارها لغة سوريا القومية وذلك بتضمينها في المناهج الدراسية وهو عملٌ سنلقى عليه احترام العالم كل العالم.

       * نشرت للمرة الآولى في موقع الحوار المتمدن في نيسان-06-2012

Sunday, May 15, 2011

الدراما السورية والخاصرة الرخوة


                                                 الدراما السورية والخاصرة الرخوة
 نبراس دلول

تشهد الدراما التلفزيونية السورية منذ عقود انتشاراً واضحاً في الدول الناطقة بالعربية وغير الناطقة بها(( علمنا أن التلفزة الايرانية تدبلج عملين سوريين سنوياً والتلفزيون التركي يقوم بعملية الدبلجة للتركية لمسلسلات سورية كان اخرها الظاهر بيبرس من بطولة عابد فهد واخراج محمد عزيزية)) وعلى الرغم من أن هذا الانتشار ليس بجديد ,الا أن البعض يصر على احتقار هذه التجربة ومنع الشعب السوري من قطف ثمار هذا النجاح من خلال الاصرار دائماً على حداثة هذا الموضوع ,علماً أن أقدم المسلسلات التي ما تزال التلفزة العربية تبثها حتى اليوم هي مسلسلات سورية بامتياز!.
ان أقدم مسلسل مازال يعرض حتى الان على الشاشات العربية هو (( مقالب غوار)) وياتي بعده مسلسل ((حمام الهنا)) وهما عملان من انتاج التلفزيون السوري في اواسط الستينيات ,وياتي بعدهما مسلسل((صح النوم)) وهو من انتاج بداية السبعينيات, بينما المسلسل المصري الوحيد والاقدم الذي مازال يعرض هنا وهناك هو مسلسل (( ليالي الحلمية)) من انتاج اواخر الثمانينات وبداية التسعينات!.
يقودنا هذا للحديث عن ظاهرة بدأت تجتاح الجو الدرامي السوري ألا وهي وجود ممثلين من الخاصرة الرخوة المسماة لبنان في الاعمال الدرامية السورية ودون مبرر لذلك , وللاسف فان الممثلين من بلد الخاصرة الرخوة وكالعادة لا يقدمون فروض الطاعة لآسيادهم في دمشق بل تراهم ما ان ينتهي تصوير مشاهدهم حتى يكونوا امام نقطة التفتيش في المصنع ,دون أدنى رغبة في البقاء ليلة أخرى في عاصمة الآمويين.
طبعاً ليس للفن وطن ,والمثل يقول – وين ما رزقت الزق – أي انك مطالب في البحث عن ما يسد الرمق في أي جو وعلى أي ارضٍِِ , ولكن المصيبة أن الممثل اللبناني يكون جالساً في منزله دون عمل او عائداً من عمله في دبلجة مسلسل مكسيكي من الدرجة العاشرة ,فيفاجأ باتصال هاتفي من مخرج سوري كان قد رأه منذ ليلتين في أحد برامج المنوعات اللبنانية حيث قدموه كممثل قدير,من هنا فان المخرج السوري يطلب منه هاتفياً القدوم الى سورية لتصوير احد المسلسلات, بينما يكون هناك المئات من ابناء البلد السوريين جالسين في بيوتهم دون عمل .
طبعاً لو أن الممثل اللبناني يأتي ويعيش في سورية طلباً للرزق لما كان لهذا المقال وجود,ولكنا صمتنا مرة والى الأبد ,فما نريده هو العنب ولا شئ سوى العنب ,اذ من غير المنطقي ان يمضي السوري سنوات في المعهد العالي للفنون المسرحية وغيرها سنوات اخرى وهو يقيم شبكة علاقات عامة داخل الوسط الفني والثقافي السوري ليعمل ويسد رمقه بينما هناك شخص من وراء الحدود يأتيه العمل وهو يجلس على أريكته دون أدنى مستويات المعاناة في طلب الرزق .
ان سوريا والفن في سوريا مفتوحتان للجميع من عربٍ وعجم, لكن شرط وجود طالب العمل في سوق العمل لا في اي مكان اخر تماماً كما هي الحال مع الفنانين الآردنيين الذين يعملون منذ عقود في الدراما السورية كنضال ووائل نجم وصبا مبارك وفرح بسيسو وبالاضافة ايضاً الى شوقي الماجري من تونس ومحمد مفتاح وعالية الركابي من المغرب,وهؤلاء جميعاً مرحب بهم في سورية .أما أبناء الخاصرة الرخوة فاما ان يدخلوا سوق العمل الدرامي السوري وإما أن يبقوا يسترزقون من خلال الدبلجة عن الاسبانية لمسلسلات مكسيكية من الدرجة العاشرة , وهذا عائد لهم وللمخرج السوري الذي يحترم نفسه .
أقول ذلك وانا أتخيل لو أن الدراما اللبنانية هي من فتحت المشرق والمغرب فماذا سيكون وضع الممثل السوري انذاك ,هل كان ليقبل اللبنانيون وجود سوري في مسلسلاتهم دون ان يكون قد امضى ايامً وليالٍ جائعاً مشرداً في شوارع -- بيروت الشام -- الحبيبة؟.